يدير مستشار الامن القومي العراقي السابق موفق الربيعي ظهره لتمثال لصدام
حسين التف حول رقبته الحبل الذي شنق به، وهو يتذكر اللحظات الاخيرة قبيل
إعدام "ديكتاتور" ظل متماسكا حتى النهاية، بحسب قوله، ولم يعرب عن أي ندم.
وفي مكتبه الواقع في الكاظمية في شمال بغداد، على بعد نحو مئة متر من مكان
تنفيذ الحكم في صدام الذي يصادف يوم الاثنين المقبل الذكرى السابعة
لاعدامه، يبتسم الربيعي تارة، ويحرك يديه بحماسة تارة أخرى، وهو يروي في
مقابلة حصرية مع وكالة فرانس برس نهاية "المهيب الركن".
ويقول الربيعي "استلمته عند الباب، لم يدخل معنا أي أجنبي أو أي أميركي
(...). كان يرتدي سترة وقميصا أبيض، طبيعي غير مرتبك، ولم أر علامات الخوف
عنده، طبعا بعض الناس يريدونني أن أقول أنه انهار، أو كان تحت تخدير
الأدوية، لكن هذه الحقائق للتاريخ، مجرم صحيح، قاتل صحيح، سفاح صحيح، لكنه
كان متماسكا حتى النهاية".
ويضيف "لم أسمع منه أي ندم، لم أسمع منه أي طلب للمغفرة من الله عز وجل،
أو أن يطلب العفو، لم أسمع منه أي صلاة أو دعاء، الإنسان المقدم على الموت
يقول عادة: يا ربي اغفر لي ذنوبي أنا قادما اليك، أما هو، فلم يقل أيا من
ذلك".
وأعدم صدام حسين الذي حكم العراق لأكثر من عقدين بيد من حديد قبل أن تطيح
به قوات تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة اجتاحت البلاد في العام 2003،
صباح يوم 30 ديسمبر 2006 في مقر الشعبة الخامسة في دائرة الاستخبارات
العسكرية صباح يوم عيد الأضحى، بعدما أدين بتهمة قتل 148 شيعيا من بلدة
الدجيل.
وقبضت القوات الأميركية على صدام حسين المولود في العام 1937، وصاحب
التاريخ الحافل بالحروب والعداوات، في 13 كانون الأول/ديسمبر 2003 داخل
حفرة في مزرعة قرب ناحية الدور في محافظة صلاح الدين (140 كلم شمال بغداد).
وكان صدام بنظراته الحادة وشواربه الكثيفة، الرجل القوي في العراق منذ
تسلم حزب البعث السلطة في 17 يوليو 1968، لكنه تولى رسميا قيادة البلاد في
السادس عشر من يوليو 1979.
وينظر بعض العراقيين السنة خصوصا إلى صدام على أنه قائد لا يتكرر حيث
كانوا يطلقون عليه لقب "القائد الضرورة"، وهي صفة تبناها بعض العرب الذين
رأوا فيه "بطلا" لخوضه حروبا مع الولايات المتحدة، وإيران وقصفه إسرائيل.
ويقول الربيعي، متجاهلا خلفه تمثال صدام باللباس العسكري تعلو كتفيه رتبة
"المهيب الركن" الخاصة به "عندما جئت به كان مكتوف اليدين وكان يحمل قرآنا،
أخذته إلى غرفة القاضي حيث قرأ عليه لائحة الاتهام بينما هو كان يردد:
الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، عاشت فلسطين، الموت للفرس المجوس".
ويتابع "قدته إلى غرفة الإعدام، فوقف ونظر إلى المشنقة، ثم نظر لى نظرة
فاحصة، وقال لى: دكتور، هذا للرجال، فتحت يده وشددتها من الخلف، فقال: أرخ،
فارخيناها له، ثم أعطاني القرآن، قلت له: ماذا أفعل به؟ فرد: أعطيه
لابنتي، فقلت له: أين أراها؟ أعطه للقاضي، فأعطاه له".
وحصل خطأ أثناء عملية الإعدام، إذ إن رجلي صدام كانتا مربوطتين ببعضهما
البعض، وكان عليه صعود سلالم للوصول إلى موقع الإعدام، فاضطر الربيعي، بحسب
ما يقول، وأخرون إلى جره فوق السلالم.
وقبيل إعدام صدام، الذي رفض وضع غطاء للوجه، تعالت في القاعة هتافات بينها
"عاش الإمام محمد باقر الصدر" الذي قتل في عهد صدام، و"مقتدى، مقتدى"،
الزعيم الشيعي البارز حاليا، ليرد الرئيس السابق بالقول "هل هذه الرجولة؟".
وكانت أخر كلمات قالها صدام "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله"، وقبل أن يكمل الشهادة، أعدم بعد محاولة أولى فاشلة قام بها الربيعي
نفسه، الذي نزل بعد ذلك إلى الحفرة مع أخرين "ووضعناه في كيس أبيض، ثم
وضعناه على حمالة، وأبقيناه في الغرفة لبضعة دقائق".
ونقل جثمان صدام في مروحية أميركية من ساحة السجن في الكاظمية إلى مقر رئيس الوزراء نوري المالكي في المنطقة الخضراء المحصنة.
ويقول الربيعي، "مع الأسف الطائرة كانت مزدحمة بالأخوة، فلم يبق مكان
للحمالة، لذا وضعناها على الأرض فيما جلس الأخوة على المقاعد، لكن الحمالة
كانت طويلة، لذا لم تسد الأبواب، أتذكر بشكل واضح أن قرص الشمس كان قد بدا
يظهر"، مشددا على أن عملية الإعدام جرت قبل الشروق، أي قبل حلول العيد.
وفي منزل المالكي "شد رئيس الوزراء على أيدينا وقال: بارك الله فيكم. وقلت
له: تفضل انظر إليه، فكشف وجهه ورأى صدام حسين"، بحسب ما قال مستشار الأمن
القومي السابق، المقرب من رئيس الوزراء الذي يحكم البلاد منذ العام 2006.
وعن مشاركته في عملية الإعدام، يقول الربيعي الذي سجن ثلاث مرات في عهد
صدام "لم أشعر بمثل ذلك الإحساس الغريب جدا، هو ارتكب جرائم لا تعد ولا
تحصى، ويستحق ألف مرة أن يعدم، ويحيا، ويعدم، ولكن الإحساس، ذلك الإحساس
إحساس غريب ملئ بكل مشاعر الموت".
ويوضح "هذا ليس بشخص عادٍ، لقد تسبب خلال حكمه للعراق بحروب عديدة،
واستخدم الكيميائي ضد شعبه، وفقدنا مئات الآلاف في المقابر الجماعية،
والآلاف في الإعدامات، لذلك كنت أعرف أنه حدث تاريخي".
وتحدث الربيعي، عن مجموعة ضغوط تعرضت لها السلطات العراقية قبيل إعدام صدام، منها قانونية، ومنها سياسية من قبل زعماء عرب.
وذكر أن مسار إعدام صدام، انطلق بعد أحد المؤتمرات المتلفزة بين المالكي
والرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، الذي سأل المالكي، بحسب الربيعي، خلال
اللقاء "ماذا تفعلون مع هذا المجرم؟"، ليرد عليه المالكي بالقول "نعدمه"،
فيرفع بوش إبهامه له، موافقا.
إرسال تعليق