صباح 17 مارس 2011، لم يكن كأى صباح لإيمان السيد رشاد فهمى، وأحمد سليم
صبور، حين رزقا بمولودهما الأول "أيمن"، ورسما مستقبل طفلهما كاملا منذ
نظرتهما الأولى فى ملامحه الصغيرة، ليؤكد كل منهما أنه أبدا لن يكون أحد
بالأسرة مثله، لا بل بالمحافظة بأكملها ستفخر بأن أيمن واحد من أبنائها،
ليكتشفا فيما بعد أنه مصاب بمرض التوحد، لم يفقدهما ذلك حلمهما بل نجحا فى
تحقيقه حتى فاز أيمن بالمركز الأول ببطولة الجمهورية فى السباحة عام 2013،
و2012، و2010، والمركز الرابع والميدالية البرونزية فى بطولة ألعاب القوى،
وفاز بالمشاركة كممثل للشرق الأوسط فى بطولة العالم للأولمبياد الخاصة بلوس
أنجلوس 2015.
تبدأ القصة قبل ذلك الوقت، بفترة ليست طويلة، حين تخرجت إيمان فى كلية الطب البيطرى جامعة الزقازيق، بمحافظة الشرقية، وزواجها من المهندس أحمد سليم بعد شهرين من تخرجها، وعقب مرور عام على زواجهما، و3 أشهر على حمل إيمان لأول جنين لها، سافر الزوجان إلى المملكة العربية السعودية، للبحث على وظيفة بإمكانيات ومرتب أفضل، لتوفير مستوى من المعيشة أرقى.
أنجبت إيمان ابنها الأول "أيمن"، كان يتميز بملامح هادئة، وبشرة بيضاء، وابتسامة طفولية مميزة تجذب انتباه كل من يراه، وظلت تعتنى بمولودها، وكانت تلاحظ أنه ينمو بسرعة تفوق مماثليه فى العمر من أبناء جيرانها، وكان يلتفت إلى الأغانى والموسيقى الصادرة من جهاز التليفزيون وكافة مصادر الضوضاء من حوله، دون اسمه، كان أيمن فى ذلك الوقت لم يتجاوز شهره الثامن، إلا أن والدته شعرت بالقلق حيال ذلك، لتبدأ فى البحث عن طبيب متخصص للأطفال لبيان مشكلة ابنها وعلاجها.
وفى أول زيارة لإيمان إلى عيادة أحد الأطباء المشهورين بالسعودية، أكدت له أن "أيمن" يستجيب لكافة الأصوات، وحين تلاعبه هى نفسها، لا يشعر أنها تحدثه هو حتى حين تناديه باسمه، ولا توضح عليه أى علامات انتباه لها، فطالبها الطبيب بالانتظار لحين بلوغه العامين ونصف العام، حتى يتأكد من تشخصيه لمشكلته، مر عام على ذلك لتعلم إيمان أنها ستصبح أما لطفل آخر، فرحت كثيرا لكونه سيأتى ويعينها فى جهدها نحو أيمن ومحاولاتها لفهم ما يعيقه من الاندماج معهم، لتمر الأيام سريعا وتنجب ولدا آخر تختار "أمير" اسما له.
◄ظهور الأعراض
فى صباح يوم اصطحبت إيمان، ابنيها للتنزه بإحدى الحدائق لتفاجأ بأيمن يترك أصدقاءه ويأخذ لعبه ويدير لهم جميعا ظهره، ليقرر اللعب بمفرده، ووجهه ينظر إلى الحائط، كان ذلك نقطة فاصلة بالنسبة إليها، وفورا قررت العودة إلى مصر، لتبدأ فى التفرغ لأبنائها، قوبلت محاولاتها جميعها بالاستنكار والتأكيد على أنها تتعجل الأمر وأن ابنها مازال صغيرا لتدرك أن هناك أطفالا مثله يجب اللعب معهم ومشاركتهم حياتهم، لكن قلبها كأم لم يطق الصبر.
أجرت إيمان زيارة لأحد أشهر أطباء الأطفال، والذى فور إطلاعه على حالة "أيمن"، أكد لها أنه مازال صغيرا، ولا داعى للقلق، تركت العيادة وهى تشعر بعدم الاطمئنان، فنجلها منفصل عن عالمه ، ولا أمل لها فى أن إحساسها يتبين خطأه، وفى مساء اليوم نفسه، جلست الأم بمفردها فى غرفتها تسترجع الحوار الذى دار بينها وبين الطبيب، لتمتد يدها إلى الروشتة لمحاولة قراءة ما دون بها.
وجدت مصطلح " Autism " وبجانبه ثلاث علامات استفهام، وجود تلك الكلمة جعل الأمر مقلقا أكثر بالنسبة إليها، لتترك مكانها وتتجه إلى أقرب قاموس لديها لتبدأ البحث عن تعريف الكلمة، لتشعر بصدمة لم تكن تتوقعها، فور اكتشافها أنها تعنى "التوحد"، لتجرى اتصالا على الطبيب فورا، وتسأله عن سبب كتابة تلك الكلمة، ليؤكد لها أنه فقط يشك بالأمر ولم يتأكد بعد لصغر سن ابنها.
◄اكتشاف إصابة الابن الثانى بالتوحد
بلغ "أمير"، الأخ الأصغر لأيمن شهره السادس، لتفاجأ الأم أن حالته أكثر تدهورا عن أخيه، فلم يكن يستجيب لأى أصوات تحيط به، عدا التليفزيون، لكن فى تلك المرة قررت الانتظار لترى إن كان الأمر حقيقيا أم مجرد أوهام، إلا أن مع مرور 6 أشهر أخرى، وبلوغ الابن الأصغر عاما، فقد "أمير" التحدث نهائيا.
وقتها قررت إيمان تكريس حياتها لابنيها، عقب تيقنها أنهما مصابان بالتوحد، واتخذت قرارا بمساعدة زوجها للعمل على دمجهما فى المجتمع على قدر استطاعتهم، لتغير من نظامها فى ارتداء الملابس، من سيدة منتقبة، إلى أخرى ترتدى "الجينز والتى شيرت والكوتشى"، لتبدأ رحلتها فى مواجهة التوحد مع ابنيها، وكافة الأطفال، حتى أنها أصبحت تملك خبرة تسمح لها بالتعرف على الطفل المعرض للإصابة بالمرض نفسه، لتسارع بتحذير الوالدين وخطوات العلاج.
بدأت أولى خطوات علاج الطفلين، من خلال جلسات للتخاطب، ثم تعديل السلوك كان وقتها أيمن بلغ عامين وتسعة أشهر، وأمير عاما ونصف العام، واستمرت التدريبات حتى بلغ كل منهما العمر المناسب للالتحاق بالدراسة، ومع عدم توفر الإمكانيات والمدارس الخاصة بتلك الفئات فى محافظة كالشرقية، قررت إيمان التوجه إلى القاهرة، نظرا لرفضها إلحاق ابنيها بمدارس التربية الفكرية، فأعدت قائمة تضم أسماء المدارس المتخصصة من الدليل، وأجرت جولة عليها جميعا بسيارتها، حتى وصلت لمدرسة تعمل بنظام الدمج.
وتعتمد مدارس الدمج على الجمع بين عدد من الأطفال المصابين بالتوحد، وآخرين من الطبيعيين، وفصلهم عند المذاكرة، نظرا لاختلاف طرق التدريس لكل منهم لتأخر الحديث عند أطفال التوحد، والذى ينتج عنه صعوبة التعلم.
◄روح القتال والتحدى
أصرت إيمان وزوجها أحمد على دمج أطفالهما فى المجتمع المحيط بهم، وموافقة الزوج أن تعيش هى وأطفاله بمفردهما فى القاهرة فترة سفره بالسعودية، شجعها على مواصلة مشوارهما معا، وغرس أحمد روح القتال فى حياة أسرته، لتتكيف مع مجتمع يرفض الاعتراف بفئات مماثلة لابنيه.
حرص أحمد على اصطحاب أسرته إلى أحد النوادى، لدمجهم بشريحة مختلفة من المجتمع، فكان يصعد إلى "الزحليقة" ويحاول جذب انتباه "أيمن" ليريه كيفية اللعب عليها، ويكررها له حتى يتمكن من التنفيذ وحده، ومرة أخرى تركب هى "المرجيحة" وتنتظر ليلتفت لها ابناها وتدربهما على تحريكها بنفسيهما دون الحاجة لمساعدة آخرين.
كانت تلجأ الأم أحيانا إلى "رشوة" أبناء حارس العقار الخاص بهم، من خلال إعطائهم بعض الحلوى، وتتوسل إليهم لاصطحابهم أيمن وأمير للعب معهما، لتؤكد لهم أنهم سيجدونهم ليسا مدركين للموضوع كاملا، لكنهما سيلعبان معهم بشكل جيد.
◄صناعة بطل
مع بداية عام 2010، وجدت إيمان معلم ابنها أيمن بالمدرسة، يلفت انتباهها لقدرته الجسمانية التى تفوق عمره، وضرورة استغلالها بالجانب الرياضى، حتى أنها خلال زيارة لها لمدرسته وجدته يعلم باقى الطلاب طريق التدريب على ابنها، وشاهدته فى أحد الحفلات الخاصة بالمدرسة، وهو يؤدى مجموعة من الحركات الرياضية بمساعدة الكابتن كريم المصرى، لتكتشف نجلها من جديد، وتتخذ قرار الاتصال بالمدرب لقبول أيمن كعضو ضمن فريقه.
وجدت الأم أن الكابتن كريم، كان ينتظر مكالمتها منذ فترة، نظرا لما يتوسمه بأيمن من بطولات، واشترط حضور أمير مع أخيه للتدريبات للبدء مع الاثنين معا، ونظرا لفقد الأول النطق دار حديث بينها وبينه بالعين، حتى أن المدرب طالبها عدة مرات بتخبئة عينها عنه، ليشعر أيمن أنه هو مدربه وحده الذى يستطيع الإشادة أو التعليق على أدائه، لكنها كانت تحرص على وجود الحوار بينهما بالنظر، لتؤكد له أنها أبدا لن تفقد الأمل فى تطوره، وأنها لن تتعجله تقبل الأشياء، حتى أنها سجدت شكرا لله، فور مشاهدتها له يؤدى بعض التمرينات بذراعيه، عقب استمرار التمرينات لمدة عامين دون وضوح أى استجابة منه أو ظهور أمل فى تأديته للتدريبات.
بعد مرور شهرين من التدريبات، وتحقيق الطفلين تطورا ملحوظا، طالب الكابتن كريم المصرى، والدتهم بالاستعداد لخوض أيمن بطولة الجمهورية للسباحة مسافات 25 ، و50 مترا، لم تصدق إيمان نفسها أن بعد تدريبات لم تتجاوز الأربعة أشهر ينافس أيمن ببطولة على مستوى الجمهورية، لكنه خالف ظنها وحقق ميدالية ذهبية بتلك البطولة.
◄مريض التوحد وعلاقته بأخته
لم تلق إيمان "الأم" أزمة فى العلاقة بين ابنيها أيمن وأمير، وأختهما الصغرى "سما"، لكونها أسندت لطفلتها مهام أساسية فى تدريب أخوتها بالمنزل، بالرغم من بلوغها عامها السادس من عمرها فقط، فى حين أن عمر أيمن 13 عاما، وأمير 12 عاما، وتعليمها كل ما يحتاجان إليهما من صغرهما، حتى أنها أصبحت تطالب أمها بتوفير "زعانف" بأحجام أكبر ليحققا الفوز بشكل أسرع، والتأثر لحد البكاء فى حين إخفاقهما فى إحدى البطولات.
عملت إيمان، على إعطاء الثقة لابتها "سما" فى أنها قادرة على خدمة أخويها، إيمانا منها أن ابنتها تعتبر امتدادا لها حتى بعد موتها، فرعايتهما لا تتوقف بالتالى عليها وحدها.
◄الحب وفتاة أحلام "أيمن"
حياة المصاب بالتوحد بطبيعتها تجعله معزولا عن المحيطين به، ومع قرب بلوغ أيمن سن المراهقة، بدأت الأم وابنتها "سما" لفت انتباه ابنها "أيمن" أن هناك "فتيات" لابد أن يلتفت إليهن، وأن هناك ما يسمى بالإعجاب والحب بين الفتاة والشاب، ولاحظت الأم أن فتاة تصغره عمرا تنظر إليه باهتمام فخاطبته وطالبته بالنظر إليها، وتؤكد له أنها معجبة به، وتهتم بمعرفته، فوجه نظره إليها وإذا به يرسم ابتسامة صغيرة.
اعتادت الأم على فعل الأمر نفسه، فى كل مرة تمر فتاة أمامهم، حتى أنه أصبح يبادر هو بالنظر إلى أمه فور نظره لأى فتاة ويبتسم لها.
والأم تؤمن بأن القدر جعلها توقن أن الله سيرزق ابنها بمن تحبه ويبادلها الحب، ويتزوج بها، عقب حصوله على الشهادة الجامعية.
◄حفظ القرآن والمواظبة على الصلاة
حرص الأب على وجود علاقة بين أبنائه وربهم، من خلال العمل على تحفيظهم للقرآن والانتظام بالصلاة، فكان يصطحب أيمن فى كل فرض إلى المسجد المقابل لمنزلهم، وفى فترات زيادة الحركة لديه كان يمسك بيديه خلال الصلاة، والحرص على الوقوف بجانبه، والاستماع إلى خطبة الجمعة كاملة، ومرة تلو الأخرى، أصبح الأمر طبيعيا بالنسبة له.
وأصبح فور سماعه للأذان يسرع إلى الوضوء، ويتجه بمفرده خلال فترات سفر والده للعمل إلى المسجد، حتى أن الإمام الخاص بالمسجد يحرص على السؤال عنه فى حال تأخر حضوره عن الصلاة قبل إقامته للفريضة.
◄أولمبياد أمريكا 2015
علمت إيمان أن صفحة الأولمبياد الخاصة عبر موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك"، تنظم مسابقة لاختيار ممثل للشرق الأوسط للسفر إلى مدينة لوس أنجلوس بأمريكا، للمشاركة بفعاليات بطولة العالم للأولمبياد الخاصة، والفائز يتم اختياره من خلال التصويت والحصول على أعلى عدد من الأصوات.
سارعت للمشاركة بصورة "أيمن"، وعملت مجموعة من البنرات وضعتها فى مدخل مسكنهم، وأوصت حارس العقار بتعريف كل من يمر من أمام الصورة على بطولات أيمن، واصطحابه إلى شقتهم، لتبدأ هى بعرض حالة أيمن على من يزورها، ولا تتركه قبل أن يصوت له ليمثل الشرق الأوسط بالمسابقة، وكانت تسارع بالحديث لكل من يحمل بين يديه هاتف محمول، لدخول صفحات المسابقة للتصويت لأيمن، كانت محاولاتها جميعا تثير دهشة وضحك المحيطين بها، إلا أنها لم تيأس من تحقيق هدفها فى جعل ابنها بطلا تفخر به محافظة الشرقية.
وجاء يوم إعلان نتيجة المسابقة، لتعلن الصفحة فوز أيمن سليم صبور بـ144 ألف صوت، ليمثل مصر والشرق الأوسط فى بطولة العالم للأولمبياد الخاصة 2015.
◄دور الدولة
تؤكد إيمان والدة "أيمن صبور" أنها لولا كونها ميسورة الحال، ولديها ما تستطيع إنفاقه على ابنيها، وحرصها على شراء أغلى وأفضل الملابس لهما، لكان أيمن وأمير ككثيرين من مماثليهما ممن يعانون من التوحد أو من ذوى الاحتياجات الخاصة، لا أحد يعلم شيئا عنه، نظرا لتجاهل الدولة دورها وواجبها اتجاههم وجميع الفئات التى تحتاج إلى رعاية خاصة.
وطالبت المسئولين بالعمل على رعاية هؤلاء الأطفال وتلك الفئات المحرومة من حقوقها، بأبسط الأشياء، وتنظيم احتفالات خاصة بتكريمهم حال حصولهم على بطولات عالمية، أو بطولات خاصة بالجمهورية نفسها.
◄انجازات
- عام 2010 شارك أيمن ببطولة ألعاب القوى، برياضة الجرى وحصل على المركز الرابع لمسافة 1800 متر، وكان أصغر المشاركين بالمسابقة.
- 2010 بطولة الجمهورية فى السباحة لمسافات 25، و50 مترا، وحصل على الميدالية الذهبية.
- 2012 شارك ببطولة الجمهورية وكأس مصر برياضة السباحة، وحصل على الميدالية الذهبية.
- 2013 شارك ببطولة الجمهورية فى اللجنة البارالمبية برياضة السباحة، وحصل على 4 ميداليات تنوعت بين الذهبية والبرونزية.
- 2013 بطولة الألعاب الوطنية المؤهلة للبطولة العربية، مسافات 400 متر حر، و50 مترا "فراشة"، وحصل على ميداليتين برونزيتين.
- 2014 فاز بمسابقة الأولمبياد الخاصة التى تؤهله لأن يكون ممثلا للشرق الأوسط فى بطولة العالم للأولمبياد الخاصة بلوس أنجلوس 2015.
تبدأ القصة قبل ذلك الوقت، بفترة ليست طويلة، حين تخرجت إيمان فى كلية الطب البيطرى جامعة الزقازيق، بمحافظة الشرقية، وزواجها من المهندس أحمد سليم بعد شهرين من تخرجها، وعقب مرور عام على زواجهما، و3 أشهر على حمل إيمان لأول جنين لها، سافر الزوجان إلى المملكة العربية السعودية، للبحث على وظيفة بإمكانيات ومرتب أفضل، لتوفير مستوى من المعيشة أرقى.
أنجبت إيمان ابنها الأول "أيمن"، كان يتميز بملامح هادئة، وبشرة بيضاء، وابتسامة طفولية مميزة تجذب انتباه كل من يراه، وظلت تعتنى بمولودها، وكانت تلاحظ أنه ينمو بسرعة تفوق مماثليه فى العمر من أبناء جيرانها، وكان يلتفت إلى الأغانى والموسيقى الصادرة من جهاز التليفزيون وكافة مصادر الضوضاء من حوله، دون اسمه، كان أيمن فى ذلك الوقت لم يتجاوز شهره الثامن، إلا أن والدته شعرت بالقلق حيال ذلك، لتبدأ فى البحث عن طبيب متخصص للأطفال لبيان مشكلة ابنها وعلاجها.
وفى أول زيارة لإيمان إلى عيادة أحد الأطباء المشهورين بالسعودية، أكدت له أن "أيمن" يستجيب لكافة الأصوات، وحين تلاعبه هى نفسها، لا يشعر أنها تحدثه هو حتى حين تناديه باسمه، ولا توضح عليه أى علامات انتباه لها، فطالبها الطبيب بالانتظار لحين بلوغه العامين ونصف العام، حتى يتأكد من تشخصيه لمشكلته، مر عام على ذلك لتعلم إيمان أنها ستصبح أما لطفل آخر، فرحت كثيرا لكونه سيأتى ويعينها فى جهدها نحو أيمن ومحاولاتها لفهم ما يعيقه من الاندماج معهم، لتمر الأيام سريعا وتنجب ولدا آخر تختار "أمير" اسما له.
◄ظهور الأعراض
فى صباح يوم اصطحبت إيمان، ابنيها للتنزه بإحدى الحدائق لتفاجأ بأيمن يترك أصدقاءه ويأخذ لعبه ويدير لهم جميعا ظهره، ليقرر اللعب بمفرده، ووجهه ينظر إلى الحائط، كان ذلك نقطة فاصلة بالنسبة إليها، وفورا قررت العودة إلى مصر، لتبدأ فى التفرغ لأبنائها، قوبلت محاولاتها جميعها بالاستنكار والتأكيد على أنها تتعجل الأمر وأن ابنها مازال صغيرا لتدرك أن هناك أطفالا مثله يجب اللعب معهم ومشاركتهم حياتهم، لكن قلبها كأم لم يطق الصبر.
أجرت إيمان زيارة لأحد أشهر أطباء الأطفال، والذى فور إطلاعه على حالة "أيمن"، أكد لها أنه مازال صغيرا، ولا داعى للقلق، تركت العيادة وهى تشعر بعدم الاطمئنان، فنجلها منفصل عن عالمه ، ولا أمل لها فى أن إحساسها يتبين خطأه، وفى مساء اليوم نفسه، جلست الأم بمفردها فى غرفتها تسترجع الحوار الذى دار بينها وبين الطبيب، لتمتد يدها إلى الروشتة لمحاولة قراءة ما دون بها.
وجدت مصطلح " Autism " وبجانبه ثلاث علامات استفهام، وجود تلك الكلمة جعل الأمر مقلقا أكثر بالنسبة إليها، لتترك مكانها وتتجه إلى أقرب قاموس لديها لتبدأ البحث عن تعريف الكلمة، لتشعر بصدمة لم تكن تتوقعها، فور اكتشافها أنها تعنى "التوحد"، لتجرى اتصالا على الطبيب فورا، وتسأله عن سبب كتابة تلك الكلمة، ليؤكد لها أنه فقط يشك بالأمر ولم يتأكد بعد لصغر سن ابنها.
◄اكتشاف إصابة الابن الثانى بالتوحد
بلغ "أمير"، الأخ الأصغر لأيمن شهره السادس، لتفاجأ الأم أن حالته أكثر تدهورا عن أخيه، فلم يكن يستجيب لأى أصوات تحيط به، عدا التليفزيون، لكن فى تلك المرة قررت الانتظار لترى إن كان الأمر حقيقيا أم مجرد أوهام، إلا أن مع مرور 6 أشهر أخرى، وبلوغ الابن الأصغر عاما، فقد "أمير" التحدث نهائيا.
وقتها قررت إيمان تكريس حياتها لابنيها، عقب تيقنها أنهما مصابان بالتوحد، واتخذت قرارا بمساعدة زوجها للعمل على دمجهما فى المجتمع على قدر استطاعتهم، لتغير من نظامها فى ارتداء الملابس، من سيدة منتقبة، إلى أخرى ترتدى "الجينز والتى شيرت والكوتشى"، لتبدأ رحلتها فى مواجهة التوحد مع ابنيها، وكافة الأطفال، حتى أنها أصبحت تملك خبرة تسمح لها بالتعرف على الطفل المعرض للإصابة بالمرض نفسه، لتسارع بتحذير الوالدين وخطوات العلاج.
بدأت أولى خطوات علاج الطفلين، من خلال جلسات للتخاطب، ثم تعديل السلوك كان وقتها أيمن بلغ عامين وتسعة أشهر، وأمير عاما ونصف العام، واستمرت التدريبات حتى بلغ كل منهما العمر المناسب للالتحاق بالدراسة، ومع عدم توفر الإمكانيات والمدارس الخاصة بتلك الفئات فى محافظة كالشرقية، قررت إيمان التوجه إلى القاهرة، نظرا لرفضها إلحاق ابنيها بمدارس التربية الفكرية، فأعدت قائمة تضم أسماء المدارس المتخصصة من الدليل، وأجرت جولة عليها جميعا بسيارتها، حتى وصلت لمدرسة تعمل بنظام الدمج.
وتعتمد مدارس الدمج على الجمع بين عدد من الأطفال المصابين بالتوحد، وآخرين من الطبيعيين، وفصلهم عند المذاكرة، نظرا لاختلاف طرق التدريس لكل منهم لتأخر الحديث عند أطفال التوحد، والذى ينتج عنه صعوبة التعلم.
◄روح القتال والتحدى
أصرت إيمان وزوجها أحمد على دمج أطفالهما فى المجتمع المحيط بهم، وموافقة الزوج أن تعيش هى وأطفاله بمفردهما فى القاهرة فترة سفره بالسعودية، شجعها على مواصلة مشوارهما معا، وغرس أحمد روح القتال فى حياة أسرته، لتتكيف مع مجتمع يرفض الاعتراف بفئات مماثلة لابنيه.
حرص أحمد على اصطحاب أسرته إلى أحد النوادى، لدمجهم بشريحة مختلفة من المجتمع، فكان يصعد إلى "الزحليقة" ويحاول جذب انتباه "أيمن" ليريه كيفية اللعب عليها، ويكررها له حتى يتمكن من التنفيذ وحده، ومرة أخرى تركب هى "المرجيحة" وتنتظر ليلتفت لها ابناها وتدربهما على تحريكها بنفسيهما دون الحاجة لمساعدة آخرين.
كانت تلجأ الأم أحيانا إلى "رشوة" أبناء حارس العقار الخاص بهم، من خلال إعطائهم بعض الحلوى، وتتوسل إليهم لاصطحابهم أيمن وأمير للعب معهما، لتؤكد لهم أنهم سيجدونهم ليسا مدركين للموضوع كاملا، لكنهما سيلعبان معهم بشكل جيد.
◄صناعة بطل
مع بداية عام 2010، وجدت إيمان معلم ابنها أيمن بالمدرسة، يلفت انتباهها لقدرته الجسمانية التى تفوق عمره، وضرورة استغلالها بالجانب الرياضى، حتى أنها خلال زيارة لها لمدرسته وجدته يعلم باقى الطلاب طريق التدريب على ابنها، وشاهدته فى أحد الحفلات الخاصة بالمدرسة، وهو يؤدى مجموعة من الحركات الرياضية بمساعدة الكابتن كريم المصرى، لتكتشف نجلها من جديد، وتتخذ قرار الاتصال بالمدرب لقبول أيمن كعضو ضمن فريقه.
وجدت الأم أن الكابتن كريم، كان ينتظر مكالمتها منذ فترة، نظرا لما يتوسمه بأيمن من بطولات، واشترط حضور أمير مع أخيه للتدريبات للبدء مع الاثنين معا، ونظرا لفقد الأول النطق دار حديث بينها وبينه بالعين، حتى أن المدرب طالبها عدة مرات بتخبئة عينها عنه، ليشعر أيمن أنه هو مدربه وحده الذى يستطيع الإشادة أو التعليق على أدائه، لكنها كانت تحرص على وجود الحوار بينهما بالنظر، لتؤكد له أنها أبدا لن تفقد الأمل فى تطوره، وأنها لن تتعجله تقبل الأشياء، حتى أنها سجدت شكرا لله، فور مشاهدتها له يؤدى بعض التمرينات بذراعيه، عقب استمرار التمرينات لمدة عامين دون وضوح أى استجابة منه أو ظهور أمل فى تأديته للتدريبات.
بعد مرور شهرين من التدريبات، وتحقيق الطفلين تطورا ملحوظا، طالب الكابتن كريم المصرى، والدتهم بالاستعداد لخوض أيمن بطولة الجمهورية للسباحة مسافات 25 ، و50 مترا، لم تصدق إيمان نفسها أن بعد تدريبات لم تتجاوز الأربعة أشهر ينافس أيمن ببطولة على مستوى الجمهورية، لكنه خالف ظنها وحقق ميدالية ذهبية بتلك البطولة.
◄مريض التوحد وعلاقته بأخته
لم تلق إيمان "الأم" أزمة فى العلاقة بين ابنيها أيمن وأمير، وأختهما الصغرى "سما"، لكونها أسندت لطفلتها مهام أساسية فى تدريب أخوتها بالمنزل، بالرغم من بلوغها عامها السادس من عمرها فقط، فى حين أن عمر أيمن 13 عاما، وأمير 12 عاما، وتعليمها كل ما يحتاجان إليهما من صغرهما، حتى أنها أصبحت تطالب أمها بتوفير "زعانف" بأحجام أكبر ليحققا الفوز بشكل أسرع، والتأثر لحد البكاء فى حين إخفاقهما فى إحدى البطولات.
عملت إيمان، على إعطاء الثقة لابتها "سما" فى أنها قادرة على خدمة أخويها، إيمانا منها أن ابنتها تعتبر امتدادا لها حتى بعد موتها، فرعايتهما لا تتوقف بالتالى عليها وحدها.
◄الحب وفتاة أحلام "أيمن"
حياة المصاب بالتوحد بطبيعتها تجعله معزولا عن المحيطين به، ومع قرب بلوغ أيمن سن المراهقة، بدأت الأم وابنتها "سما" لفت انتباه ابنها "أيمن" أن هناك "فتيات" لابد أن يلتفت إليهن، وأن هناك ما يسمى بالإعجاب والحب بين الفتاة والشاب، ولاحظت الأم أن فتاة تصغره عمرا تنظر إليه باهتمام فخاطبته وطالبته بالنظر إليها، وتؤكد له أنها معجبة به، وتهتم بمعرفته، فوجه نظره إليها وإذا به يرسم ابتسامة صغيرة.
اعتادت الأم على فعل الأمر نفسه، فى كل مرة تمر فتاة أمامهم، حتى أنه أصبح يبادر هو بالنظر إلى أمه فور نظره لأى فتاة ويبتسم لها.
والأم تؤمن بأن القدر جعلها توقن أن الله سيرزق ابنها بمن تحبه ويبادلها الحب، ويتزوج بها، عقب حصوله على الشهادة الجامعية.
◄حفظ القرآن والمواظبة على الصلاة
حرص الأب على وجود علاقة بين أبنائه وربهم، من خلال العمل على تحفيظهم للقرآن والانتظام بالصلاة، فكان يصطحب أيمن فى كل فرض إلى المسجد المقابل لمنزلهم، وفى فترات زيادة الحركة لديه كان يمسك بيديه خلال الصلاة، والحرص على الوقوف بجانبه، والاستماع إلى خطبة الجمعة كاملة، ومرة تلو الأخرى، أصبح الأمر طبيعيا بالنسبة له.
وأصبح فور سماعه للأذان يسرع إلى الوضوء، ويتجه بمفرده خلال فترات سفر والده للعمل إلى المسجد، حتى أن الإمام الخاص بالمسجد يحرص على السؤال عنه فى حال تأخر حضوره عن الصلاة قبل إقامته للفريضة.
◄أولمبياد أمريكا 2015
علمت إيمان أن صفحة الأولمبياد الخاصة عبر موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك"، تنظم مسابقة لاختيار ممثل للشرق الأوسط للسفر إلى مدينة لوس أنجلوس بأمريكا، للمشاركة بفعاليات بطولة العالم للأولمبياد الخاصة، والفائز يتم اختياره من خلال التصويت والحصول على أعلى عدد من الأصوات.
سارعت للمشاركة بصورة "أيمن"، وعملت مجموعة من البنرات وضعتها فى مدخل مسكنهم، وأوصت حارس العقار بتعريف كل من يمر من أمام الصورة على بطولات أيمن، واصطحابه إلى شقتهم، لتبدأ هى بعرض حالة أيمن على من يزورها، ولا تتركه قبل أن يصوت له ليمثل الشرق الأوسط بالمسابقة، وكانت تسارع بالحديث لكل من يحمل بين يديه هاتف محمول، لدخول صفحات المسابقة للتصويت لأيمن، كانت محاولاتها جميعا تثير دهشة وضحك المحيطين بها، إلا أنها لم تيأس من تحقيق هدفها فى جعل ابنها بطلا تفخر به محافظة الشرقية.
وجاء يوم إعلان نتيجة المسابقة، لتعلن الصفحة فوز أيمن سليم صبور بـ144 ألف صوت، ليمثل مصر والشرق الأوسط فى بطولة العالم للأولمبياد الخاصة 2015.
◄دور الدولة
تؤكد إيمان والدة "أيمن صبور" أنها لولا كونها ميسورة الحال، ولديها ما تستطيع إنفاقه على ابنيها، وحرصها على شراء أغلى وأفضل الملابس لهما، لكان أيمن وأمير ككثيرين من مماثليهما ممن يعانون من التوحد أو من ذوى الاحتياجات الخاصة، لا أحد يعلم شيئا عنه، نظرا لتجاهل الدولة دورها وواجبها اتجاههم وجميع الفئات التى تحتاج إلى رعاية خاصة.
وطالبت المسئولين بالعمل على رعاية هؤلاء الأطفال وتلك الفئات المحرومة من حقوقها، بأبسط الأشياء، وتنظيم احتفالات خاصة بتكريمهم حال حصولهم على بطولات عالمية، أو بطولات خاصة بالجمهورية نفسها.
◄انجازات
- عام 2010 شارك أيمن ببطولة ألعاب القوى، برياضة الجرى وحصل على المركز الرابع لمسافة 1800 متر، وكان أصغر المشاركين بالمسابقة.
- 2010 بطولة الجمهورية فى السباحة لمسافات 25، و50 مترا، وحصل على الميدالية الذهبية.
- 2012 شارك ببطولة الجمهورية وكأس مصر برياضة السباحة، وحصل على الميدالية الذهبية.
- 2013 شارك ببطولة الجمهورية فى اللجنة البارالمبية برياضة السباحة، وحصل على 4 ميداليات تنوعت بين الذهبية والبرونزية.
- 2013 بطولة الألعاب الوطنية المؤهلة للبطولة العربية، مسافات 400 متر حر، و50 مترا "فراشة"، وحصل على ميداليتين برونزيتين.
- 2014 فاز بمسابقة الأولمبياد الخاصة التى تؤهله لأن يكون ممثلا للشرق الأوسط فى بطولة العالم للأولمبياد الخاصة بلوس أنجلوس 2015.
إرسال تعليق